إياك والفتوى على الله بغير علم
رداً على حمود المزيني
كتبه: مزمل عوض فقيري محمد علي
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله القائل: (بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق) والصلاة والسلام على رسوله القائل: (إن الله لا ينتزع العلم انتزاعاً من صدور العلماء، وإنما يقبض العلم بقبض العلماء، حتى إذا لم يُبقِ عالماً اتخذ الناس رؤوساً جهالاً فسئلوا فأفتوا بغير علم فضَلوا وأضلوا) البخاري.
أما بعد:
هذا رد مختصر جداً على مقال نُشر في صحيفة الجزيرة بتاريخ الجمعة 01 شعبان 1427هـ العدد 12384 لكاتبه: حمود بن عبد العزيز المزيني. وكان قد تناول فيه موضوعاً عن الغناء والموسيقى ملخصه الآتي:- تحليل الغناء والموسيقى، وإن كان يحاول أن يبرأ نفسه من هذه الجريمة[1][1] بنقل كلام بعض الناس الآخرين إلا أنه أفتى بنفسه في نهاية المقال بأن الأمر فيه سعة.والجدير بالذكر أنه لم يورد دليلاً واحداً على ما زعم من أحكام شرعية لا من القرآن ولا من الحديث. فقط اكتفى بنسب كلام إلى بعض أهل العلم.
أولاً أقول: كل كلام خالف القرآن والسنة فهو مردود على صاحبه كائناً من كان، قال الإمام مالك رحمه الله تعالى (كلٌ يُؤخذ من قوله ويُردُّ إلا صاحب هذا القبر وأشار إلى قبر النبي صلى الله عليه وسلم). لذلك أول ما نبدأ به الأدلة من الكتاب والسنة الصحيحة على تحريم الغناء والمعازف:
1- قال تعالى (ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليُضل عن سبيل الله بغير علم ويتخذها هزواً أولئك لهم عذاب مهين...) لقمان.
أورد ابن كثير في تفسيره ج3/578 عن أبي الصهباء البكري أنه سمع عبد الله بن مسعود وهو يُسأل عن هذه الآية (ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله) فقال عبد الله بن مسعود: الغناء والله الذي لا إله إلا هو، يرددها ثلاث مرات وكذا قال ابن عباس وجابر وعكرمة وسعيد بن جبير ومجاهد ومكحول وعمرو بن شعيب وعلي بن بذيمة. وقال الحسن البصري: نزلت هذه الآية (ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليُضل عن سبيل الله بغير عليم) في الغناء والمزامير. وقيل: أراد بقوله (يشتري لهو الحديث) اشتراء المغنيات من الجواري. أ.هـ.
فتأمل في قول الحسن البصري عليه رحمة الله الذي ورد في تفسير هذه الآية وانظر إلى قول الأخ المزيني حينما افترى على الحسن البصري وغيره من التابعين بقوله (لما دخل الغناء الفارسي بالألحان في عهد التابعين كانوا فريقين: فريق يميل إلى الاستماع ولا يجد فيه ما يمس الدين كالحسن البصري...) ثم إنني أسأل: إذا لم تنزل هذه الآية في تحريمه، هل كان لهؤلاء الأئمة الأعلام أمثال الحسن البصري وقت لمثل هذه الأشياء ؟!!!
2- قال الله عز وجل في ذكر صفات المؤمنين: (والذين لا يشهدون الزور...) [الفرقان 72] قال محمد بن الحنفية (الزور: هو اللغو والغناء) [ابن كثير ج3/435]
3- عن أبي مالك الأشعري رضي الله عنه أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول (ليكونن من أمتي أقوام يستحلون الحِرَ والحرير والخمر والمعازف، ولينزلن أقوام إلى جَنْبِ عَلَمٍ[2][2]، يروح عليهم بسارحة لهم يأتيهم لحاجة فيقولون: ارجع إلينا غداً، فيبيتهم الله، ويضع العلم، ويمسخ آخرين قردة وخنازير إلى يوم القيامة) [البخاري 5590] فقوله صلى الله عليه وسلم (يستحلون) يدل على أن هذه الأمور حرمتها معروفة وسيأتي أناس في آخر الزمان يحللون ما حرم الله تعالى.
ودل الحديث على أن المعازف والغناء من الكبائر لأنه ترتب عليه وعيد بالعذاب في الدنيا وكذلك الآية، أي آية لقمان دلت على أن الغناء من كبائر الذنوب لأنها ذكرت وعيداً في الآخرة (أولئك لهم عذاب مهين) أي: عذاب دائم مستمر.
وأما القول بأن الغناء (لا يكون حراماً إلا إذا صاحبه الخمر والاختلاط) فهذه شبهة قديمة رد عليها ابن الجوزي في كتابه تلبيس إبليس، قال ما ملخصه: (وأما من قال أن الغناء لا يكون حراماً إلا إذا صاحبه شرب الخمر والزنا ولبس الحرير للرجال، لزمه أن يقول: أن شرب الخمر لا يكون حراماً إلا إذا كان معه الزنا والغناء ولبس الحرير، وأن الزنا ليس بحرام إلا إذا كان معه شرب الخمر ولبس الحرير والغناء، وأن لبس الحرير للرجال غير حرام إلا إذا صاحب الزنا والخمر والغناء وهذا ما لم يقل به عاقل) أ.هـ.
4- عن عمران بن حصين رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (في هذه الأمة قذف وخسف ومسخ، فقام رجل من المسلمين فقال: متى ذلك يا رسول الله ؟ قال: إذا ظهرت القيان والمعازف وشربت الخمور) رواه الترمذي رقم 2212
القيان: جمع قينة. والقينة: في لغة العرب هي المرأة التي تغني. فانظر أخي الكريم إلى المصائب والعذاب المترتب على حصول الغناء. والله المستعان.
فما ندري كيف يكون في الأمر سعة. قال الله تعالى (فبأي حديث بعد الله وآياته يؤمنون) .
وأنا أعلم أن المؤمن يكفيه دليل واحد لإقامة الحجة عليه (وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم...) ولكن هذا ليعلم الناس أن الغناء من الأمور الخطيرة على دين المسلم ، لذلك قال الإمام أحمد: (الغناء ينبت النفاق في القلب كما ينبت الماء البقل فلا يعجبني). وكذا أجمع الأئمة الأربعة على حرمته ، قال أبو حنيفة رحمه الله (الاستماع إلى الأغاني فسق والتلذذ به كفر)وقال الإمام مالك عليه رحمة الله (الغناء إنما يفعله عندنا الفسّاق).أما الشافعي فقال (الاستماع إلى الأغاني حرام ولو أن لصاً سرق آلاتٍ موسيقيةً ولو بلغت ربع دينار لا تقطع يده بأنه سارق). وقد سبق قول الإمام أحمد رحمهم الله جميعاً.
أما ما ذكره المزيني من قول الإمام ابن حزم الظاهري عليه رحمة الله تعالى بأنه ضعف الأحاديث التي وردت عنده.
فالجواب عليه - أولا: الأخ لم يذكر كلام ابن حزم كاملاً من كتابه المحلى حيث قال ابن حزم بعد تضعيفه للآثار التي أوردها: (ووالله لو صح عندي حديث واحدٌ في حرمة الغناء لأخذت به).
ونحن قد صحت عندنا أحاديث كثيرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكرنا بعضها ولو لا خشية الإطالة لذكرنا أكثر، بل إن هناك آيات ذكرت في هذا المجال ونزلت فيه.
ثانيا: قال ابن القيم في كتابه (إغاثة اللهفان من مصايد الشيطان): (ان الذي أباحه ابن حزم لا يشبه غناءنا اليوم الذي فيه الغزل والفحش.. إلخ) هذا في زمن ابن القيم رحمه الله، فكيف هو الحال بغناء اليوم؟.
وحتى لو قلنا إن المسألة فيها خلاف لوجب على المسلم أن يأخذ بالحيطة والحذر في دينه وخصوصاً وهو يعلم قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام) [البخاري عن النعمان بن بشير رضي الله عنه].
نصيحة للأخ حمود المزيني: إياك والفتوى على الله بغير علم. قال تعالى (ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولا).وإذا لم تعلم شيئاً من الدين فقل الله أعلم. قال جابر بن عبد الله رضي الله عنه (إذا سئل أحدكم عن شيء من الدين لا يعلمه فليقل: الله أعلم أو يقول: لا أعلم) رواه البخاري في الصحيح.
ثم سؤال أهل العلم (فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون) والحمد لله هذه البلاد زاخرة بالعلماء. وصلى الله وسلم على نبيه محمد وآله وصحبه أجمعين.
والله تعالى أعلم.